Gamal Algitany: Alrefai (Military history Egypt)
الناشرٍ: دار الشروق / 2010 / عدد الصفحات: 120 / جديد / رقم الطبعة: 1
ان الرفاعى الآن يتذكر هؤلاء الفلاحين، عند خروجه من المدينة يستعيد آخر من رآهم يسعون عبر الطرقات أو
يخطون فوق الأرصفة، الملامح المرهقة، الاستسلام الغريب، الضحكة الضائعة، والنظرة الولهى من عينى مجهول، وشظايا عبارات متطايرة، بيوت مسكونة بالاسرار والماضى، دائما يخرج من المدينة عبر ثلاث نقاط، طريق السويس المزدحم بالثكنات حتى الكيلو 4.5، أوشكت حركة العمران ان تصل الى هناك، ثم طريق الاسماعيلية المحاذى لمطار القاهرة، ثم هذاالطريق المؤدى الى بطن الصحراء الشرقية، ان آخر الأشياء والمرئيات تمر به عند الخروج الى القتال، آخر من تحدث اليه، ملامح نادية، آخر عبارات تبادلها مع الضباط والجنود الذين لم يخرجوا معه، يذكر الآن آخر اشتباك فى صيف عام 1970، تمتد الصحراء الآن صامته، بحر تجمد منذ عصور سحيقة، لكن هذه المسافات الشاسعة حبلى بحركة خفية، اليوم يختلف الأمر عن خروجهم فى المرات السابقة، انهم الآن جزء من كل، لا يلتفت الى من معه لكنه يدرك الانطباعات، حدة العقيد علاء التى توحى بأنه سيشترك فورا، جلوسه بميل الى الامام، وضع الملاكم قبل تسديد الضربة، أبو الفضل الصعيدى وملامحه التى تعكس احساسا بالانتظار، مصطفى المتأهب دائما لتلقى الامر، أبو الحسن وشبح ابتسامة دائمة قد تظهر فى أى لحظة، ان الرفاعى يرى تلك الروابط الخفية، تشد كلا منهم الى الآخر، قبل العبور لملاقاة الحرب يصبح كل منهم أكثر احساسا بالآخر، أى كلمة تقال تلقى موضعا وثيرا فى آذنهم. أى لمحة ساخرة تفجر الضحك من أعماقهم. اثناء الانطلاق تتعانق أذرع غير ممتدة، وتتماس خطوط البصر المستقيمة، بعد قليل سيواجه كل منهم الموت، والموت يحوم فوق الجماعة ثم ينقض فوق الانسان الفرد، الشظية لا يوقفها الا جسم واحد، يصبح الانسان شديد الوحدة فى مواجهة الموت، ان تجاورهم، ومد جسور العواصف واستعادة الذكريات، كل ذلك يحصنهم ضد اللحظة المؤجلة.