الناشرٍ: دار الشروق / 2010 / جديد / عدد الصفحات: 602 / رقم الطبعة: 1
آه.. متى يعود حزب الوفد مرة أخرى للحياة؟!. كلما قرأت كتابا عن الحزب القديم أتحسر على حال أحزابنا الآن، ومنها بالطبع حزب الوفد الحالى. زادت الحسرة بعدما قرأت بنهم واستمتاع كتاب «سعديون أم عدليون وفاق وشقاق» لعمرو سميح طلعت، وهو كتاب قدم له الدكتور القدير الراحل يونان لبيب رزق مؤسس مركز الدراسات التاريخية بدار الشروق الذى أصدر الكتاب. ومن يعرف د.يونان جيدا يندهش بما حملته مقدمته من مديح وشكر لأسلوب عمرو سميح، وهذا قليل فى كتابات د.يونان: «اتسمت لغة الكتاب بأسلوب أدبى رفيع لا يتوافر عند كثيرين من محترفى الكتابة التاريخية، حتى إنه يصعب على القارئ الذواقة إذا ما بدأ قراءته أن يتركه بين يديه، وهى للأسف خلة لم يعد يتصف بها كثيرون من كتّاب هذا الزمان، أصحاب الأسلوب الضحل الذى وصل إلى حد استخدام المفردات العامية، وهو ما نحاربه فى دار الشروق بكل ما نستطيع، فنحن نرى أن جانبا من مهمتنا يتصل بترقية اللغة العربية!».
ويقرر د.يونان أن دراسة سميح طلعت تطرح قضية على جانب كبير من الأهمية، وهى قضية «الصداقة من ميدان السياسة»، والتى كثيرا ما تنتهى إلى لدد فى الخصومة، وهو لدد تقويه تدخلات الآخرين، ويزيد من أواره معرفة دقائق نفس الطرف الآخر.
وبنوع من الذكاء، إذ استبق الباحث أسئلة القارئ والكتّاب وسأل: «هل موضوع هذا الكتاب جديد؟ أو ما أهمية كتاب تاريخى يتحدث عن صراع نشأ بين سعد زغلول وعدلى يكن عام 1921؟ الإجابة تأتى ــ فضلا عن أهمية قراءة التاريخ ــ أن الباحث نفسه قال: «لم يكن الصراع بين سعد باشا وعدلى باشا هو أول صراع بين رجلين على قمة هرم السياسة فى مصر، ولن يكون آخرها بالطبع، فهذا جزء من حتمية الحراك التاريخى والتفاعل الإنسانى، وسيبقى التاريخ ما بقى الدهر شاهدا على العديد والمزيد من الصراعات والحروب التى تتمحور حول تنازع السلطة واقتسام الريادة. بيد أن أهمية الصراع الذى نشب بين سعد باشا وعدلى باشا تأتى من كونه أول صراع فى تاريخنا المعاصر بين رجلين على قمة الهرم، يصل إلى الشارع فيعتصر وجدان المواطن العادى ويلهب مشاعر الغضب والثورة فى صدره».
ولننظر الآن كيف لا يعتصر وجدان المواطن إذا حدث انشقاق مثلا بين رجال السياسة.. فهل المواطن العادى تفاعل أو ألهبت مشاعر الغضب والثورة فى صدره حين شاهد مثلا الصراع بين السيد البدوى ومحمود أباظة أو هل تحرك الشعب وثار على عمليات التزوير التى شاهدناها أخيرا؟.. ماذا حدث للمصريين حسب آراء الدكتور جلال أمين.
ولكى تعرف ضخامة ما حل بمشاعر المواطن تجاه ما يحدث حوله من صراعات وحروب سياسية وتزوير وقتل وبلطجة، يجب أن تقرأ كتاب عمرو سميح لتأتى لك الحسرة، وليغلبك الندم على الواقع السياسى المصرى الراهن.
قصة الصراع
قاد سعد زغلول ثورة 1919، ثم أصبح رئيسا للحكومة المصرية، ثم رئيسا لمجلس الأمة، وولد فى عام 1858 وتوفى عام 1927.
وتولى عدلى باشا يكن رئاسة وزراء مصر ثلاث مرات بين أعوام 1921 و1930، وكان وزير المعارف قبلها، وأسس حزب الأحرار الدستوريين فى أكتوبر 1922، ووُلد بالقاهرة سنة 1864 لأسرة عريقة لها امتداد فى كل من تركيا وسوريا ولبنان، وتُوفى فى باريس سنة 1933. عدلى يكن أصغر من سعد زغلول بست سنوات، وتوفى بعده أيضا بست سنوات، فقد توفى كلاهما فى سن التاسعة والستين.
سعد وعدلى يصليان تبارك الله ربى
يارب أبق فؤادا حتى يصلى للنبى
بيتان لأمير الشعراء أحمد شوقى قرضهما حين رأى سعد باشا زغلول وعدلى باشا يكن يصليان مع الملك فؤاد. لكن بعد قليل هتف الناس: الاحتلال على يد سعد ولا الاستقلال على يد عدلى». وقالت صفية هانم زغلول لزوجها: «والله يا سعد لو وضعت يدك فى يد عدلى، لن أكون لك زوجة بعد الذى فعله».
ماذا حدث بين الموقفين: زغلول ويكن يصليان معا، ثم يفترقان وتتكوّن بينهما عداوة شديدة؟.. لكن هذه واحدة من أعنف وأعقد الأزمات السياسية، وحسب د.يونان فنحن فى بلد العجائب، فالناس إما يحبون بقوة أو يكرهون حتى النخاع. متسائلا: «ولا ندرى ما إذا كانت هذه الصورة لها مثيل فى العالم الخارجى، غير أن الأدب الروسى يحمل لنا تجسيدا لهذه الظاهرة فى الرواية المشهورة «الإخوة كرامازوف»، التى يترجمها الكثيرون أحيانا إلى «الإخوة الأعداء»؟.
ثلاثة أمور سياسية
وبسبب هذه الأزمة أو الشقاق وقع أول انقسام فى الوفد بعد أقل من عامين على تأسيسه فخرج منه معظم مؤسسيه، وبسببها اعتزل أحمد لطفى السيد باشا السياسة حين وقع الخلاف بين سعد وعدلى. وتكرر هذا الانقسام مرة أخرى بعد أكثر من عشرين سنة بين مصطفى النحاس ومكرم عبيد، ليتكون لدينا فى الشرق أبحاث تلقى الضوء على «أثر العلاقات الشخصية على السياسة المصرية فى التاريخ الحديث»، حسب رأى د.يونان لبيب، الذى رأى أن عناوين الكتاب تميل للعناوين الصحفية، مثل: غمامة فى الأفق، معا فى عرين الأسد، وفارس بلا جواد، ووقعت الواقعة. وفى هذا الفصل الأخير، وتحت عنوان «مناوشة فى السيدة»، يقول الباحث المتميز إنه يتضح جليا من وقائع الأيام، التى تلت قدوم سعد زغلول من باريس أنه أمضى وقته فى الانشغال بثلاثة أمور أساسية، وهى الاستمتاع بالزعامة، وممارسة هذه الزعامة، وأخيرا المفاوضات بين سعد وعدلى على الشروط السعدية. فى ذلك اليوم، الجمعة 22 أبريل سنة 1921، تحول موقف سعد زغلول من عدلى يكن وغير سياسته، التى أعلنها قبل أيام فأعلن الشروط الأربعة، التى اشترطها على يكن ليشاركه المفاوضة، الأمر الذى يشير بوضوح شديد، حسب قول سميح طلعت، إلى قرب انهيار المفاوضات السرية بين الرجلين والتى جرت منذ وصول سعد باشا.
وفى نهاية الفقرة يؤكد طلعت: «ولا نحتاج كذلك إلى شهود أو محضر اجتماع لنعرف سبب انهيار العلاقة، سعد زغلول باشا أصر على رئاسة وفد المفاوضة، وعدلى يكن باشا أصر على رئاسة وفد المفاوضة.. فانشطرت الأمة!».
ويحكى الكتاب صراعات وخناقات السعديين والعدليين، وكيف استغل زغلول باشا صحف الوفد فى حرب الولاء ضد صحف المعارضة كالأخبار مطالبا بمقاطعتها، إلى أن وصل الباحث إلى حكاية إعلان الهدنة، متسائلا: «لماذا أعلن سعد باشا انتهاء الحرب؟ ببساطة لأنه لم يكن هناك ثمة ما يدعو لها.
أفضل ختام أن نذكر ما قاله الباحث فى نهاية كتابه: «هكذا انتهى الصراع بين سعد زغلول باشا وعدلى يكن باشا، ولم يبق منه فى ذاكرة المصريين سوى القليل الذى لا يزال المثقفون والمهتمون بالتاريخ يذكرونه.. بيد أن أمرا مهما لا يزال قائما فى مجتمعاتنا عالقا بثقافتنا، ذلك هو روح الفريق والقدرة على العمل الجماعى وإنجاز الكتلة. رأينا فى دراستنا كيف عجز صفوة القوم عن أن يحققوا إلا النذر اليسير فى هذا المضمار، وسيطرت على الجميع روح الفردية وعقيدة الاستئثار بالقيادة».
نقلا عن مقال نشر بجريدة الشروق المصرية بتاريخ 7 ديسمبر 2010 تحت عنوان "سعد زغلول وعدلى يكن.. حين اختلفا انشطرت الأمة" بقلم السيد/ سامح سامى