الناشرٍ: دار التنوير/2013/جديد/عدد الصفحات:246/رقم الطبعة:1
أحوال المصريين في رواية الطابور والبوابة!
ليــلي الــراعي
هذه الرواية تعكس أحوال المصريين بامتياز! مواطنون لا حول لهم ولا قوة يقفون في طابور طويل يتراص أمام بوابة لاتكاد تنفتح أبدا..
من هذا المشهد الذي التقطته الكاتبة الشابة بسمة عبدالعزيز غزلت خيوط روايتها البديعة:الطابور( عن دار التنوير).
اللقطة الطويلة التي بنت علي أساسها الكاتبة روايتها:
الطابور أو( الشعب) في مواجهة البوابة أو( السلطة) وهذه الحكايات والقصص التي تنبعث من هذا المشهد ترسخ معها أمورا عديدة:
قدرة السلطة علي تحويل البشر إلي نسخ متكررة.. متشابهة, بل ومتطابقة يصعب التفريق بين أحدهم والآخر..
واقع المصريين المرير الذي تحول إلي حالة من الانتظار الدائم وأمل في فرج من السلطة.. فرج قد يأتي أو لا يأتي, لا أحد يعلم!
أسلوب التأقلم مع هذا الواقع( الطابور) وقدرة هذا الشعب العظيم والبسيط في التآلف والتكاتف أمام قهر السلطة..
في أول الأمر.. بدا الوقوف في طابور البوابة, مظهرا عاديا من مظاهر الحياة, لكنه تحول بعد فترة إلي حياة قائمة بذاتها, انضم إلي الطابور الكثير من الأشخاص الذين لايجمع بينهم أي رابط سوي أنهم مضطرون إلي الوقوف هناك, وقد أخذ كل منهم يعيد تشكيل عالمه الخاص بما يتوافق والمواظبة علي الوجود في الطابور, الأهداف المتباينة لكل من إيناس وأم مبروك وذي الجلباب وغيرهم من الواقفين لاتتحقق والبوابة لا تنفتح.
الطابور إذن هو البشر..
هو الناس بكل صنوفها وأشكالها.. وردود أفعالها..
هناك من يتمرد..
وهناك من يستسلم لأقداره..
وهناك من يستفيد من هذا الطابور ويجعل منه( سبوبة)..
وهناك أيضا من ينقل عمله إليه!
في الطابور نتعرف علي( يحيي) هذا البطل الذي أصيب برصاصة في جسده ورفض مع ذلك بإصرار أن يدخل المستشفي من أجل استخراجها, فهو يعلم جيدا أن من يدخلون المستشفي يخرجون بلا أي دليل علي إصابتهم بأية آثار للرصاص في جسدهم.. فاختار أن تظل الرصاصة في جسده!
أي موقف بطولي هذا..
الناس إذن في هذا الطابور الطويل متطابقون في أمر واحد: الوقوف اليومي أمام البوابة.. كل لديه هدف واحد هو أن تفتح ويدلفون إلي داخلها ويقدمون أوراقهم ومستنداتهم.
لكنهم علي صعيد آخر مختلفون ومتباينون في ردود أفعالهم و تصرفاتهم ومواقفهم.
لقد استطاعت الكاتبة عبر هذه الصيغة( الفنتازية) أن تنقل إلينا ذلك الاحساس الرهيب الذي يعتمل في صدور أبطالها..
تخيل أن تظل واقفا صباحا ومساء لأيام عديدة في طابور طويل لايتحرك أمام بوابة لا تنفتح أبدا, وتظل ممسكا بأوراقك وملفاتك ومستنداتك علي أمل أن تدفع بها إلي مسئول يحل مشكلتك..
يا الله..أي عذاب هذا!
لقد ظل الاحساس بالوطأة.. بهذا الشيء الرهيب المسمي بـ( البوابة) يطبق علي أنفاسي.. وظل يداهمني طوال فترة قراءتي لسطور الرواية.. منذ أن ظهرت تلك البوابة وصارت ضالعة في شيء.. أصبح الناس في حيرة من أمرهم ومن أمرها, وقد صحوا ذات يوم ليجدوها ماثلة أمامهم دون مقدمات, لم يسبق ظهورها أي تمهيد, إلا ذلك الخطاب القصير الذي بثته بعض قنوات التليفزيونية ذات ليلة..
لقد تبدت البوابة هنا مثل الكابوس الأسود..
ظهورها المفاجئ..
هيئتها الضخمة المهيبة..
غموض دورها..
أبوابها المغلقة دائما..
كل هذا جعل منها قدرا مشئوما يتربص بالناس ويجعل من حياتهم جحيما..
والسؤال الذي تطرحه هنا الكاتبة والذي يستشعره القارئ وهو يتابع أحداث الرواية:
هل صارت السلطة مترسخة إلي هذا الحد في حياتنا؟
هل أصبحت جزءا لا يتجزأ من شخصيتنا وكياننا؟
مشهد الطابور الطويل الذي لايكاد يتحرك أمام البوابة الهائلة المغلقة يحمل معه الإجابة..
لكنه أيضا يحمل معه بارقة أمل..
فهناك من ينتفض..
هناك من يثور ويتمرد..
هناك من يكسر الطابور..
هناك من يقطعه..
فلا يظل الطابور علي حاله..
هل يستطيع( يحيي) بطل الرواية أن يصل إلي غايته؟
هل يتمكن في النهاية من التصدي للفساد والظلم؟
هل ينتصر حقا علي منظومة السلطة؟
لا أحد يعلم..
نهاية غامضة ومفتوحة تمنحنا معها الرجاء والأمل..
بقي أن نشير هنا إلي الصيغة الروائية المبتكرة التي ابتدعتها الكاتبة الطبيبة النفسية لسرد أحداث الرواية والتي نتعرف علي تفاصيلها من خلال ملفات طبية يكتبها الدكتور طارق عن حالة( يحيي) بطل الرواية الذي أصيب برصاصة في جسده عقب( الأحداث المشينة) وهي صيغة جديدة تتواءم تماما مع مهنة الكاتبة.
بسمة عبد العزيز..
أوجعتينا وأمتعتينا!