7.95EUR

كتاب الطغرى
[3109]

الناشرٍ: دار الشروق / 2011 / جديد / عدد الصفحات: 509 / رقم الطبعة: 1

كتاب الطغرى: مقطع من القسم السابع
دعني، ورذاذ البحر ينعشني، أحكي لك عن آخر مرحلة في جولة القاهرة الإسلامية، بعد المكالمة المصيرية هذه من قدام المسجد والدنيا تظلم… كنت في زقاق صغير متفرع من شارع محمد علي. قلت أتمشى إلى منطقة العتبة الخضرا وأنا هيمان هكذا من غير ما أفكر في الآثار، وبعدما أصل أكمّل مشياً أو أركب من هناك لشارع الجلاء… إلى أن وجدتني في هذا الزقاق الطويل لوحدي في الظلمة ومن ورائي الربع نقل: عربة بعد عربة بعد عربة نورها مطفأ ولا أي إشارة أنها تقترب أو ميعاد محدد لاقترابها. كيف كانت تتقدم هكذا بلا صوت؟ كأنها ماشية على قطيفة، ولا صرّيخ ابن يومين في أي اتجاه. كنت أحس بالواحدة منها فجأة هكذا في ظهري، من قبل ما يسورني الكلكس الذي يضربه سواقها كأنه يخلّص حقه من الدنيا، فأرتبك وحاشراً جسمي بالعرض بين الأسفلت والعربات المركونة في ناحية واحدة من الطريق لأمررها، أنخض. من غير سبب واضح استشعرت حضوراً شيطانياً، كأن الحركة التي بدأت بسواق التاكسي الملائكي وتوسطها الأشقر أبو سبحة الذي تحس بقوته الغيبية دونما تعرف إن كانت أقرب للخير أو الشر لابد أن تنتهي بلقاء مع الأبالسة. بدأت أتلفت ورائي وأنا مضطرب من الزنقة والاستعجال، ولا أرى للزقاق أولاً من آخر… كانت الأنوار قلّت لحد ما بقيت الدنيا ظلمة كحلْ. وحسيت كأني محبوس في مكان مريب وأريد أن أخرج ففضلت أمد لكن الزقاق ما كان ينتهي. فجأة كأن زاويته تغيرت أو مساحته اختلفت وبدأت أنتبه لوجود بيوت على الشِمال لكن حتى هذا، وسط القفر العام، لم يطمئني. سمعت خطوات ثابتة آتية في الاتجاه العكسي فرجعت، وقلبي يدق، أبطأت. كان الربع نقل لازال يأتي وراء ظهري يفزعني بالكلكسات. وساعتها، على أضواء جانبية خافتة جداً طلعتْ من شبابيك البيوت كأنما بالتحديد لهذا الغرض، بدأتُ ألمحهم: سيل لا يبدو أنه سينقطع من السنيين الملتحين في جلاليب بيضاء قصيرة أو طويلة أو في قمصان وبنطلونات، رؤوسهم إما محلوقة أو عليها طواقي ملونة. كانوا يقطعونني بسرعة كل واحد لوحده أو كل اثنين معاً وبين وقت ووقت في جماعات صغيرة. وجوههم مكشرة وعيونهم مبرقة وهم يظهرون فجأة من وسط الظلمة ثم، بعدما يمرون من جنبي وأكتافهم تحك في كتفي، يختفون. أغرب شيء أني كنت أسمع خطواتهم وهم آتون ناحيتي فقط: بعدما يقطعونني، مثل عربات الربع نقل تماماً، لا صوت لخطواتهم أبداً كأنهم ماشون على قطيفة. ساعات أسمعهم يدمدمون بصوت ضعيف فيما بينهم، لكنهم في العموم يبرقون لي وهم صامتون ولا يُلقون السلام. حسيت برعب حقيقي لما بدأ احتكاك الأكتاف يبقى عنيفاً يا أبا السيوط. مرة أو مرتين خبطني كتف معضل بقصد وأنا لا أتكلم. وفضلت أتنفس بصعوبة وأجاهد لأتحكم في حركتي لحد ما ظهرت أنوار الشارع العمومي. على الناصية شفت آخِر واحد فيهم. كان ربعة برأس كبير مكعب، وتهيأ لي أن وجهه نسخة من وجه فستق. هو فقط بذقن واصلة إلى سرته ورأسه قرعاء، يرتدي جلابية لا تكاد تصل إلى ركبتيه ولا شيء يستر ساقيه من تحتها. كان لوحده – أنا متأكد أنه كان لوحده – لكنه كان يدمدم بصوت أعلى من الآخرين، وكان صوته عالياً كفاية لأسمعه وسط دوشة الشارع العمومي. أسرعت، وكنت أظن أني تفايدته فعلاً لكنه رجع ظهر فجأة من جنبي. خبطني في كتفي خبطة مفترية وقال بنبرة متهكمة: «مصطفى كمال بيسلم عليك، ما تفتكرش إنه هيسيبك.» ولما استدرت بعدما أفقت من الخبطة كان اختفى في ظلمة الزقاق
Bewertungen
Authors
Quick Find
 
Use keywords to find the product you are looking for.
Advanced Search
We Accept







0 items
Languages
English Deutsch french










osCommerce